Weather Data Source: 30 days weather Baghdad
بغداد
عاجل

تثبيت ايران لليوم وطني للجزر الثلاث يحمل رسائل سياسية واضحة.

#
کاتب ١
1/11/2025 | 07:50 PM

في خطوة تحمل طابعا سياسيا ورمزيا لافتا، أعلنت إيران تسجيل يوم التاسع من مارس/آذر الموافق لـ 30 نوفمبر/تشرين الثاني في التقويم الوطني باعتباره “اليوم الوطني للجزر الثلاث” المتنازع عليها مع الإمارات وهي: (أبو موسى، طنب الكبرى، طنب الصغرى).

ويأتي هذا التطور في سياق حساس يتداخل فيه التاريخ بالجغرافيا الاستراتيجية والنزاعات الإقليمية، ويعيد إحياء ملف طالما كان أحد أبرز عوامل التوتر في العلاقات بين إيران والإمارات العربية المتحدة، وكذلك في البيانات الصادرة عن مجلس التعاون الخليجي وشركائه الغربيين.
القرار الإيراني ليس مجرد مناسبة رمزية أو إضافة تقويمية؛ بل هو رسالة سياسية مباشرة تقول إن سيادة إيران على هذه الجزر ثابتة وغير قابلة للتفاوض، في مواجهة ما تعتبره طهران ادعاءات متجددة وغير مؤسسة من قبل دول عربية وأوروبية.
خلفية تاريخية: من الهيمنة البريطانية إلى “الاستعادة” عام 1971
تشير السجلات التاريخية إلى أن الجزر الثلاث خضعت منذ مطلع القرن العشرين للاحتلال البريطاني، قبل أن تقوم البحرية الإيرانية في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1971 بإعادة فرض السيطرة عليها عقب انسحاب بريطانيا من الخليج.
وقد خاضت البحرية الإيرانية خلال تلك العملية مواجهة محدودة قُتل فيها ثلاثة من عناصرها، اعتبرتهم الرواية الإيرانية شهداء استعادة السيادة. ومنذ ذلك الحين، أدرجت الجزر في الوعي السياسي الإيراني بوصفها جزءا حساسا من الهوية الجغرافية للدولة.
ولطالما ربطت إيران بين الجزر الثلاث وبين مفهوم العمق الاستراتيجي والأمن البحري في الخليج، معتبرة أن أي مساس بسيادتها على الجزر يعد اعتداءً على التراب الوطني.

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام  

لمسار الذي قاد لتسجيل المناسبة في التقويم الوطني

بحسب ما نشرته وكالة “إرنا“، جاءت الخطوة نتيجة متابعة مستمرة من قبل القوة البحرية للجيش الإيراني، التي بادرت قبل عام إلى تقديم ملف قانوني وثائقي متكامل لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، يتضمن جمع وثائق من الأرشيف الوطني حول ملكية الجزر، وإعداد مشروع قانون لترسيخ مبادئ السيادة عليها، وطلب تسجيل يوم التاسع من مارس/آذر (30 نوفمبر/تشرين الثاني) كيوم وطني، وترميم قبور شهداء العملية وإبراز رمزية الحدث.
الملف أحيل لاحقا إلى مجلس الثقافة العامة ضمن المجلس الأعلى للثورة الثقافية، قبل أن يصدر القرار النهائي بإضافة المناسبة إلى التقويم الرسمي للعام القادم.
وبذلك، أصبح يوم الجزر الثلاث جزءا من خريطة المناسبات الوطنية، إلى جانب مناسبتين جديدتين أخريين وهما يوم شهداء الاقتدار والوحدة الوطنية، ويوم العلم. هذا التطور يعكس توجّها متدرجا نحو هندسة الذاكرة الوطنية عبر آليات رمزية وثقافية.
توقيت الإعلان… رسائل إلى مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي


تزامن الإعلان مع تجدد الموقف الخليجي ــ الأوروبي بشأن الجزر، عبر بيان مشترك أشار إليها بوصفها مناطق محتلة. هذا البيان أعاد فتح ملف السيادة وأثار ردودا قوية في طهران.
وقال علاء الدين بروجردي، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، إن السيادة الثابتة والدائمة لإيران على الجزر الثلاث جزء لا يتجزأ من أراضي إيران.
وأكد أن طهران لن تتراجع مقدار ذرة عن موقفها، مضيفًا أن بعض الدول العربية لا تملك قرارها بعيدًا عن الضغط الغربي.
المفارقة هنا أن طهران تتبنى منذ عامين سياسة التهدئة الإقليمية وتحسين العلاقات مع الخليج، خصوصا بعد المصالحة مع المملكة العربية السعودية. ومع ذلك، فإن ملف الجزر يظل خارج نطاق المساومة.
البعد الرمزي والاستراتيجي للجزر
تكتسب الجزر الثلاث أهمية استراتيجية لعدة أسباب منها الإشراف على مضيق هرمز، أحد أهم الممرات البحرية للطاقة عالميًا، وتوفير نقاط مراقبة بحرية وجوية متقدمة، وأنها تمثل جزءا من عمق الدفاع الإيراني في الخليج، وتدخل في مفهوم الأمن البحري الهجومي ــ الدفاعي الذي تتبناه إيران.
وبالتالي، فإن خسارة السيطرة عليها، وفق الرواية الرسمية الإيرانية، ليست مجرد خسارة أرض، بل تهديد مباشر لبنية الأمن القومي.
هل يتجاوز القرار حدود الخطاب؟
رغم أهمية تسجيل اليوم الوطني، إلا أن تثبيت سيادة الدول لا يتم عبر المناسبات وحدها، بل عبر سياسات دفاعية ثابتة، وإدارة مدنية وتنموية للجزر، وحضور سكاني مستقر، وقنوات دبلوماسية منعزلة عن الانفعالات الإعلامية.
السؤال المطروح إذن: هل تسعى طهران إلى تعزيز وجودها المدني والاقتصادي في الجزر، وليس العسكري فقط؟
القرار قد يكون مقدمة لذلك، خصوصا إذا نُفذت برامج ثقافية، أو سياحية، أو سكانية مرتبطة بالمناسبة.

يمثل تسجيل يوم التاسع من مارس/آذر (30 نوفمبر/تشرين الثاني) كيوم وطني للجزر الثلاث تصعيدا رمزيا محسوبا من جانب إيران، يعيد التأكيد على ثبات موقفها تجاه الجزر، ويبعث برسالة واضحة إلى الخليج وأوروبا مفادها أن السيادة على أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى ليست مطروحة للتفاوض.
غير أن تثبيت السيادة لا يُحسم عبر التقويم فقط، بل عبر إدارة ميدانية مستدامة وتوظيف هادئ للأدوات السياسية والاقتصادية، بما يضمن تحويل الرمز إلى حضور فعلي.
وفي المقابل، يبقى مستقبل هذا الملف مرتبطا بتطور العلاقات الإقليمية الأوسع، وإمكانية أن يؤدي الحوار — وليس البيانات المتبادلة  إلى خفض التوتر حول واحد من أكثر الملفات حساسية في الخليج العربي.