اثناء مقابلة مع قناة "آي 24″ الإسرائيلية أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تصريحات مثيرة للجدل حول ارتباطه العميق بما وصفها بـ"رؤية إسرائيل الكبرى" الدينية التي تشمل مناطق خارج حدود الأراضي التي تحتلها إسرائيل في الوقت الراهن.
خلال المقابلة، تلقى نتنياهو خريطة مزعومة لإسرائيل تضم أجزاء من الأراضي الفلسطينية المحتلة والأردن ولبنان وسوريا ومصر، وأكد موافقته على هذه الرؤية بشدة. وصرّح قائلا: "أنا في مهمة تمتد عبر الأجيال. هناك أجيال من اليهود حلمت بالقدوم إلى هنا، وستأتي أجيال أخرى بعدنا". ورداً على سؤال حول ما إذا كانت مهمته تمثل الشعب اليهودي، أجاب: "إذا كنت تسألني إن كنت أشعر بأنني في مهمة تاريخية وروحية، فالجواب هو: نعم".
ليصلك المزيد من
الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
تأتي تصريحات نتنياهو التوسعية في ظل دعوات واستعدادات إسرائيلية لإعادة الاحتلال قطاع غزة، وبعد أقل من 3 أسابيع على إقرار الكنيست الصهيوني لمشروع قانون يقضي بفرض السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية. في غضون ذلك تواصل دولة الاحتلال انتهاك الأراضي والأجواء في سوريا ولبنان بذرائع مختلفة، وهو ما يوحي بأن تصريحات نتنياهو ليست مجرد "جعجعة إعلامية"، بقدر ما هي تعبير عن طموحات ونوايا حقيقية تنتظر الوقت الملائم لتحقيقها.
بيد أن هذه الدعوات الرامية إلى توسيع حدود الدولة الصهيونية على حساب الأراضي العربية المجاورة ليست وليدة الأحداث الجارية، لكنها في الحقيقة قديمة قِدَم المشروع الصهيوني ذاته، وقد أقرتها وثائق هيئة الأركان العامة لجيش الاحتلال منذ فترة مبكرة من عمر الدولة الصهيونية، مشيرة إلى أن "حرب 1948 لم تنتهِ، وأنَّها لم تكن سوى جولة واحدة من سلسلة جولاتٍ من الحروب التي على إسرائيل الاستعداد لها بغية استكمال تحرير البلاد وتوسيع حدودها في جميع الاتجاهات".
ولتحقيق هذا الهدف وضعت إسرائيل العديد من المخططات، لعل واحدا من أبرزها هو ما يعرف بـ"مخطط نفو"، وهو بحث شامل أجراه جيش الاحتلال عام 1953 بغية "التأسيس لفكر عسكري إسرائيلي تجري وفقه إعادة تشكيل حدود إسرائيل في جميع الاتجاهات".
في الجنوب مثلا، دعا المخطط لاحتلال شبه جزيرة سيناء، كما دعا للسيطرة على الضفة الغربية وشرق الأردن، وجعل حدود إسرائيل الشرقية تصل إلى الصحراء السورية، وكذلك احتلال جانبَي خليج العقبة. وفي الشمال، نص المخطط على احتلال إسرائيل مناطق حوران والجولان وقمة جبل الشيخ وجنوب لبنان حتى مصبّ نهر الليطاني. وبالنظر إلى أن المناطق التي طالب مخطط "نفو" إسرائيل باحتلالها مأهولة بالعرب، فقد أشارت الخطة إلى ضرورة طرد أغلبية السكان من هذه المناطق للحفاظ على "الطابع اليهودي لإسرائيل".
وفي هذا السياق تداولت مواقع التواصل الاجتماعي في يونيو/حزيران 2024 مقطعا مُصوَّرا أثار جدلا واسعا، يحوي مستوطنا إسرائيليا يقرأ مع ابنه كتابا للأطفال بعنوان "ألون ولبنان". ويحكي الكتاب قصة صبي يدعى ألون يعيش في إحدى مستوطنات الشمال الإسرائيلي على الحدود اللبنانية، لكن الصبي الصغير لا يعشق المناظر الطبيعية الخلابة للجنوب اللبناني فحسب، بل يعتقد أن لبنان جزءٌ من أرض إسرائيل الموعودة.
واللافت بخصوص هذا الكتاب ما نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية من أن مؤلفه، المُحاضِر في جامعة آرييل الإسرائيلية، هو عاموس عزاريا مؤسس حركة "أوري تسافون"، الداعية لاستيطان الجنوب اللبناني، والتي مولت تكاليف نشر وإصدار الكتاب بالكامل بدعوى غرس بذور الشوق إلى لبنان في نفوس الأطفال الصغار.
جاءت هذه الأخبار توازيا مع حملة "رسائل تهديدية" وصلت إلى سكان الجنوب اللبناني، تأمرهم بالنزوح وإخلاء أراضيهم ومنازلهم كي يستوطنها اليهود، إذ هبطت من السماء عشرات البالونات والمُسيّرات تحمل رسائل باللغتين العربية والعبرية، جاء فيها: "احذروا! هذه أرض إسرائيلية ملك لليهود، وعليكم إخلاؤها فورا"، وهي واحدة من حيل حركة "أوري تسافون"، ويعني اسمها باللغة العربية "استيقظ أيها الشمال"، وهي حركة استيطانية