هل ينذر تلوث مياه كربلاء والنجف وبابل بكارثة أوسع الأهالي في محافظة النجف الاشرف وكربلاء المقدسة يستيقظون على صنابير تنزف ماءً أخضر مطحلب فيما كشفت الفحوص المختبرية حجم الخطر في مياه الإسالة هناك القلق الشعبي يتصاعد أمام تحذيرات الخبراء من الجفاف والتلوث الأنهر في العراق صارت "برك راكدة" بدل شرايين حياة هذا وحذر المختصون من انحدار خطير نحو أزمة إنسانية في البلاد فكيف يؤثر نقص الإطلاقات المائية التركية على أمن العراق المائي ..المشهد البيئي يفضح سنوات من سوء الإدارة والإهمال من قبل وزارة الموارد المائية في البلاد الوعود التركية للعراق تسيل على الورق أكثر مما تسيل بالمجاري
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
مرصد العراق الأخضر، عمر عبد اللطيف إن “العراق تعرض إلى خديعة كبرى حين أعلنت تركيا أنها ستطلق 400 متر مكعب بالثانية خلال شهري تموز يوليو وآب أغسطس من هذا العام، ما دعا العراق، لإطلاق ربع هذه الكمية من السدود والنواظم باتجاه المحافظات الجنوبية ومنطقة الأهوار، فضلا عن دفع اللسان الملحي في محافظة البصرة، ما أدى إلى انخفاض كبير، بل وإفراغ بعض السدود والنواظم من المياه بشكل شبه كامل، ليتبين لاحقا أن أنقرة لم تطلق سوى ما يقارب 120 مترا مكعبا بالثانية فقط”.
وكان رئيس مجلس النواب محمود المشهداني، قد أعلن من أنقرة، في مطلع تموز يوليو الماضي، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وافق على زيادة الإطلاقات المائية إلى العراق بمقدار 420 مترا مكعبا في الثانية.
وأجرى العراق وتركيا خلال السنوات الماضية العديد من المفاوضات بشأن حصة البلاد العادلة من المياه، إلا أن نتائجها غالبا ما تكون مؤقتة أو مرتبطة بظروف سياسية، دون التوصل إلى اتفاقية ملزمة بشأن الحصص المائية، حيث تزداد المشكلة تعقيدا مع غياب سياسة مائية وطنية متكاملة، وتراجع الاستثمارات في تحديث شبكات الري والزراعة، إضافة إلى الهدر الكبير في استخدام المياه. وتُعد مناطق الجنوب والفرات الأوسط الأكثر تضررا، حيث بدأت تظهر تداعيات الجفاف بشكل واضح من خلال الهجرة القسرية للسكان، وانخفاض الإنتاج الزراعي، وتهديد مصادر مياه الشرب. من جهته، يعلق الخبير البيئي رمضان حمزة، ان قضية المياه في العراق معقدة للغاية، لأن الحكومة العراقية لا تمتلك رؤى واضحة ولا استراتيجية تعمل وفقها، فجميع الخطط المائية في العراق لحظية ومؤقتة، بحيث لا تتحرك إلا عند انعدام المياه، فتتوجه إلى تركيا وتطلب إطلاقات مائية، وهو تعامل غير طبيعي مع المصدر الرئيسي للحياة”. ويشير حمزة، إلى أن “العراق كان يمتلك خزينا استراتيجيا من المياه، لكن هذا الخزين تم إفراغه في شهر نيسان أبريل الماضي بسبب التوسع في زراعة الحنطة”، منبها إلى أن “هذا القرار كان خطأ استراتيجيا، خاصة وأن السنة كانت جافة، والصيف حارا، وشحيح الأمطار، وكل الخبراء كانوا يتوقعون حصول جفاف”. ويؤكد أن “المشكلة الجوهرية تكمن في سوء إدارة المياه أكثر مما تكمن في قلة الإطلاقات التركية، فالإطلاقات يمكن للعراق أن يحصل عليها من خلال اللجوء إلى اتفاقيات أو قوانين دولية تجبر تركيا على توفير حصة عادلة ومنصفة من المياه، لكن يبقى الأمر خاضعا لتقدير أنقرة لمفهوم العدالة والإنصاف”، لافتا إلى أن “العراق ما زال يستخدم طرق الري القديمة على الرغم من الزيادة السكانية والتوسع العمراني، وتطور التكنولوجيا الزراعية، واعتماد العالم على الزراعة الذكية، في ظل الهدر الكبير الذي يستهلكه الاستمرار في الري السيحي”. النفط مقابل الماء وحول إمكانية مقايضة تركيا للنفط بالماء كأمر محتمل، يرى الناشط البيئي عمر عبد اللطيف، أن “هذا سيكون مطروحا عند انتهاء تركيا من مشروع الغاب، بإنشاء جميع سدودها التي خططت لإقامتها على أراضيها، بما يمنحها القدرة على منع أي قطرة مياه خارج حدودها”، متوقعا “اكتمال المشروع في منتصف عام 2027، وعندها سيكون العراق أمام مرحلة جديدة يُحتمل أن يُفرض عليه القبول بمبدأ النفط مقابل المياه”. وحذر خبراء اقتصاديون من تحول الشعار القديم “النفط مقابل الماء” الذي يشاع سماعه طيلة سنوات، إلى واقع جديد عنوانه “الاستيراد مقابل الماء”. وينبه عمر عبد اللطيف، إلى أن “الخطورة الحقيقية تكمن في السنتين المقبلتين، فقد تُجبر تركيا العراق على الإذعان لشروطها المتعلقة بالمياه، والأمر ليس بجديد، بل هو جزء من سياسة تركية ممتدة منذ سنوات”. ويخلص عضو مرصد العراق الأخضر، إلى أن “تركيا لا تضغط عبر ملف المياه فقط، بل تستخدم ورقة النفط أيضا، فأنقرة امتنعت تماما عن السماح بإعادة تصدير النفط عبر ميناء جيهان التركي بعد أن ربح العراق الدعوى التي أقامها في محكمة باريس بخصوص شراء النفط العراقي المهرّب”، مشيرا إلى أن “المفاوضات مستمرة لكنها متعثرة، وتركيا ستواصل ممارسة الضغط في ملف النفط حتى يخضع العراق لشروطها”. إلى ذلك، يؤكد الخبير البيئي رمضان حمزة، أن “مقايضة غير معلنة بين النفط والماء تتم أحيانا بشكل نقدي وأحيانا عبر التجارة أو وسائل أخرى”. ويضيف حمزة، في أن “العراق لا يقود مفاوضات مع تركيا، بل لا يجري سوى محادثات لا ترتقي إلى مستوى الاتفاقيات”. ازدياد التلوث وبشأن التلوث الحاصل في المياه، يجد الخبير البيئي، رمضان حمزة، أنه “تلوث بشري ناجم عن رمي المخلفات من المصانع والمياه الثقيلة والتلوث النفطي والزراعي”، لافتا إلى أن “المواطن أيضا مسؤول عن هذا التلوث نتيجة الاستمرار في الطرق القديمة للتخلص من النفايات عبر رميها في الأنهار، فهذه النفايات كانت في السابق تُجرف بسبب وفرة المياه وغزارة الجريان، لكن معظم مياه العراق أصبحت الآن ملوثة بسبب قلة الإطلاقات وانخفاض المناسيب”. ويحذر الخبير البيئي، من أن “العراق يقف على حافة كارثة إنسانية، خاصة أن تركّز الأمطار سيكون خلال شهري كانون الأول (ديسمبر) وكانون الثاني يناير)، وهو ما قد لا يكفي لإنقاذ الوضع ما لم تُعالج الأزمة بجذورها عبر الإدارة الرشيدة والتخطيط بعيد المدى”. من جانبه، يجد الخبير المائي تحسين الموسوي أن “نسبة تلوث المياه تعود في جزء منها إلى قلة الإطلاقات، وفي جزء آخر إلى رمي المخلفات في الأحواض، بما في ذلك مياه البزل ومياه الصرف الصحي وسائر المخلفات، وهذا أيضا يمثل خللا داخليا في إدارة الملف”. وشهدت محافظات بابل والنجف وكربلاء، حالة “إنذار” بسبب انخفاض منسوب المياه في نهر الفرات الذي يغذي محطات مياه الشرب، بعد تداول أنباء عن تلوث الماء وعدم صلاحيته للاستهلاك البشري. وجاء في وثائق لمديريات الماء والصحة في المحافظات الثلاث، أن انخفاض منسوب المياه وارتفاع نسبة التعكر وظهور الطحالب أثار قلق الأهالي من تلوث الماء الواصل إلى المنازل. وأعلن وزير الموارد المائية، عون ذياب عبد الله، أمس الأول الجمعة، أن الجانب التركي وعد بزيادة الإطلاقات المائية لنهرَي دجلة والفرات، في إطار تفاهمات مشتركة، وأكد أنه أجرى اتصالا هاتفيا بالجانب التركي الذي أبدى “تفهما كاملا للأزمة التي يعانيها العراق بسبب الجفاف”، مؤكدا التزامه بزيادة كميات المياه المطلقة من السدود التركية نحو العراق، وذلك في سياق التعاون الثنائي وحسن العلاقات بين البلدين الجارين”.
حصار مائي
ويلاحظ الخبير المائي تحسين الموسوي، أن “أنقرة بدأت بفرض حصار تدريجي على العراق من خلال تقليل الإطلاقات شيئا فشيئا، وأن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى بغداد العام الماضي، جاءت محملة بالوعود، بأن تركيا لن تدع العراق يعطش، إلا أن ما حصل بعد ذلك هو العكس”. ويلفت الموسوي إلى أن “تلك الفترة شهدت إطلاقات مائية على حوض دجلة بلغت 500 متر مكعب بالثانية، وأكثر من 300 إلى 400 متر مكعب على حوض الفرات”، منبها “وعلي الرغم من كون هذه الكمية لا تمثل الحصة المائية الكاملة للعراق أصلا، إلا أن ما يصل إلى العراق يتراوح بين 100 و120 مترا مكعبا بالثانية”. ويصف ما تقوم به تركيا بأنه “بمثابة إعلان حرب مائية، فأنقرة لم تشارك يوما في مفاوضات رسمية حقيقية، فهذا النوع من المفاوضات يحتاج إلى بروتوكولات واتفاقيات، وهو ما لم يحصل، في ظل صمت حكومي”، داعيا إلى “حملة وطنية كبرى لترشيد المياه والحفاظ على جودتها، وتفعيل الدبلوماسية الواسعة النشطة، وتدويل الأزمة”. ويشير الخبير المائي، إلى أن “الخزانات المائية أصبحت شبه فارغة، مع انعدام الخزين المائي الكافي، فالعراق بدأ منذ عام 2022 باستخدام مياه بحيرة الثرثار لإنعاش حوض الفرات، بالتزامن مع استنزاف كبير للمياه الجوفية، واستمرار اعتماد الخطط الزراعية القائمة على الري السيحي، الذي يستهلك كميات هائلة من المياه” ويواجه العراق أزمة جفاف غير مسبوقة تعد الأسوأ منذ أكثر من 90 عاما، حيث حذرت وزارة الموارد المائية من تداعيات خطيرة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، في حين يرى خبراء أن على السلطات إيجاد حلول مبتكرة لتلافي التبعات الخطيرة للتغير المناخي.
حقوق الطبع والنشر © Video IQ