تتصاعد الدعوات مجددا لتحويل قضاء تلعفر إلى محافظة مستقلة، في مشهد يثير جدلا واسعا بين من يراه مطلبا خدميا وتنمويا طال انتظاره، وبين من يعده جزءا من الدعاية الانتخابية ومحاولة لكسب التأييد الشعبي في موسم سياسي محتدم.
ليصلك
المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
وبينما يؤكد مؤيدو الخطوة أنها تمثل استحقاقا دستوريا يحقق العدالة في توزيع الخدمات، ترى قوى سياسية أن المشروع يحمل أبعادا طائفية ومخاطر تمس وحدة نينوى، ما يجعل ملف تلعفر عالقا بين رغبة الأهالي وحسابات السياسة والمنافسة الانتخابية.
وفي تطور لافت، طالب الأمين العام لمنظمة بدر، هادي العامري، خلال التجمع الانتخابي المركزي في قضاء تلعفر بمحافظة نينوى الذي اقامته منظمة بدر بـ “استحداث محافظة في منطقة غرب نينوى”، مشددا على أن “هذه المنطقة لا يمكن خدمتها بالشكل المطلوب بدون أن تكون محافظة”.
وأكد العامري أنه “من المطالبين الحقيقيين بأن تكون هذه المنطقة محافظة”، داعيا إلى أن “يتفق أهل المنطقة على تسميتها ومركزها”.
واقترح تسميتها بـ”محافظة الجزيرة”، مشيرا إلى أن “هذا الاسم كان مستخدما في الماضي، لكن المهم والذ يتفق عليه أبناء هذه المنطقة هو وجوب استحداث محافظة”.
وأضاف العامري، أن “مركز المحافظة لا يهم أين يكون في المحافظة”، مشيرا إلى أن “الخدمة الصحيحة للمنطقة الواسعة تتطلب أن تكون محافظة”.
من جانبه، أكد النائب مختار الموسوي، ، أن “ملف تحويل قضاء تلعفر إلى محافظة جديدة بات مكتملا من جميع الجوانب القانونية”، مشيرا إلى أنه “سيُطرح بشكل رسمي خلال الدورة النيابية المقبلة”.
وقال الموسوي، إن “أطرافا سياسية متعددة حاولت عبر الضغط وتضليل الرأي العام عرقلة مشروع تحويل تلعفر إلى محافظة، رغم أنه استحقاق قانوني ودستوري مشروع ينسجم مع مبادئ الدستور العراقي”.
ورأى أن “جميع محاولات إجهاض المشروع فشلت، لكونه يحظى بدعم واسع من النخب والمكونات الاجتماعية في تلعفر والمناطق المجاورة، باعتباره يحقق ثلاث غايات رئيسة: ضمان حصة عادلة من الموازنة، وتسريع وتيرة الإعمار والخدمات، وتأسيس إدارة محلية أكثر قربا من المواطن”.
وأشار إلى أن “ملف تحويل تلعفر إلى محافظة سيُدرج رسميا ضمن جدول أعمال الدورة النيابية المقبلة، ولن يتم التراجع عنه كونه مكتمل الأركان قانونيا”، نافيا “ما يُشاع عن توقف المشروع أو إغلاقه”.
في المقابل عبّر العرب السُنّة في مدينة الموصل عن رفضهم الشديد لمقترح تحويل تلعفر إلى محافظة واعتبروه “خيانة”.
وردا على ذلك، أعلن في (20 نيسان 2025 )، عن مجلس مجتمعي في الموصل، يضم شخصيات ووجهاء من العرب السُنّة، وأعلن المجلس رفضه الكامل لتحويل تلعفر إلى محافظة، محذّرا من تبعات سلبية وخطيرة لهذه الخطوة.
وخلال مؤتمر صحفي عقده المجلس، عبّر أعضاؤه عن رفضهم الصريح للمطالبة بجعل قضاء تلعفر محافظة مستقلة، مؤكدين أن “هذه الخطوة من شأنها أن تؤدي إلى توترات جديدة وزيادة في حدة الصراعات، في وقت تواجه فيه محافظة نينوى تحديات كبيرة”.
وأضافوا: “نرفض بأي شكل من الأشكال تقسيم محافظة نينوى. هذه الخطوة تمثل خيانة ومؤامرة تستهدف المحافظة، وتهدد النسيج الاجتماعي لشعب نينوى بأكمله”.
وأكد المجلس، الذي يتكوّن من شخصيات عربية سنية، أن “أي مشروع لتقسيم المحافظة سيثير الفوضى ويهدد استقرار المنطقة”، داعيا ” الجهات المعنية إلى وقف هذه المحاولات”.
ويقع قضاء تلعفر غربي نينوى، ويعد أحد أكبر الأقضية في العراق من حيث عدد السكان الذي يناهز الـ 700 ألف، تبلغ مساحة مركز القضاء (مدينة تلعفر) 3206كم، وغالبية سكانه هم من التركمان، شيعة وسنة.
تتبع القضاء ثلاث نواح، هي ربيعة التي تقطنها عشيرة شمر، وزمار المكونة من 78 قرية، مقسمة بين قرى عربية، وأخرى إيزيدية إلى جانب قرى يعيش فيها الكرد، والعياضية التي يسكنها التركمان والعرب والكرد.
ووفقا للباحث ياسين عبيد فأن “مطالبات تحويل تلعفر إلى محافظة تعود لأكثر من خمسة عقود، وتحديدا في سبعينيات القرن المنصرم، كان أهالي تلعفر ينتظرون قرارا من قيادة حزب البعث التي كانت حديثة العهد بالسلطة وقتها، لكن بدلا من ذلك، تم استحداث محافظة دهوك في 1970، وبعدها بست سنوات استحدثت محافظة النجف”، مشيرا إلى أن “الاعتقاد ظل سائدا بأن السبب وراء عدم تحويل تلعفر إلى محافظة على الرغم من امتلاكها لمقومات ذلك، هو قومي وطائفي بحت
ويوضح: ”لم يكن النظام العراقي السابق يريد أن تكون هناك محافظة تركمانية في العراق، حتى أنه غير في تلك الحقبة اسم محافظة كركوك التي يعيش فيها عدد كبير من التركمان إلى محافظة التأميم، والسبب الآخر، طائفي، اذ يشكل التركمان الشيعة نصف سكان تلعفر والنظام وقتها كان محسوبا على السنة”.
في 2003، وبعد انهيار نظام حزب البعث، وجد أهالي تلعفر أن لديهم فرصة كبيرة في إعلان محافظتهم، وقد أعلنوها بالفعل وبنحو غير رسمي، عندما علقوا لافتة في مدخل المدينة (محافظة تلعفر)، غير أن أول خطوة رسمية بهذا الاتجاه، كانت في 21 كانون الثاني 2014، عندما قرر مجلس الوزراء العراقي الموافقة على تحويل قضاءي تلعفر في نينوى، وطوزخرماتو في صلاح الدين الى محافظتين، بعد مقترح تقدم به وزير الشباب والرياضة في حينها جاسم محمد جعفر، ومن ثم تحويل الأمر إلى مجلس النواب للتصويت عليه، لكن ذلك لم يحدث بسبب خلافات سياسية.
المطالبات تجددت بعد تحرير تلعفر بالكامل من داعش في صيف 2017، إذ سعى النائب التركماني عن تلعفر مختار الموسوي، رئيس كتلة الإطار التركماني، ومعه النائب خليل المولى في 2020، إلى جمع تواقيع النواب من أجل تقديم المقترح بنحو رسمي مجددا من قبل رئاسة الوزراء إلى مجلس النواب والتصويت عليه.
غير أن الأحزاب السنية وحتى الكردية، اعترضت على ذلك خشية أن تتحول تلعفر الى محافظة لعدة اعتبارات أيدلوجية و سياسية.