Weather Data Source: 30 days weather Baghdad
بغداد
عاجل

دبلوماسية متسارعة تحاول موازنة الردع والحوار في وجه التصعيد الإسرائيلي

#
کاتب ١
7/11/2025 | 12:50 PM

في لحظة إقليمية شديدة التوتر، اختار وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن يشد الرحال إلى العواصم القريبة.، في جولة إقليمية شملت القاهرة وأنقرة والكويت والمنامة والعاصمة الأردنية عمان،  جاءت بينما كانت التهديدات الإسرائيلية ضد طهران تتصاعد علنًا.
لكن خلف الصور الرسمية والبيانات الدبلوماسية، يبدو أن الجولة تحمل أهدافًا أعمق: طمأنة للعواصم العربية والخليجية خاصة، وحشد دعم للعاصمة الإيرانية في صراعها مع تل أبيب ومن خلفها الولايات المتحدة، ورسائل ردع محسوبة. فهل كانت هذه الزيارات جزءًا من مسعى لتجنب حرب مفتوحة، أم فصلًا جديدًا في لعبة توازن القوى التي تخوضها إيران منذ سنوات في المنطقة؟ زادت أهميتها بعد الحرب المحدودة الأخيرة بين طهران وتل أبيب.

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام  

من الكويت إلى القاهرة.. مَن قال ماذا
شملت جولة عباس عراقجي سلسلة زيارات متتابعة إلى عواصم المنطقة، تجاوزت القاهرة وعمان لتشمل دولًا خليجية ومحورية مثل الكويت والبحرين، في محاولة واضحة لربط جسور دبلوماسية في وجه ما تعتبره طهران تهديدًا إسرائيليًا متصاعدًا، لكن رغم أن الجولة لها هدف واحد، فإن  كل محطة كان لها رسائلها ونتائجها المتفاوتة.
لقاء الكويت وصفته الدبلوماسية الإيرانية بأنه لقاء تهدئة وتنسيق، ركز على تأكيد سيادة الدولتين، وعدم السماح باستخدام الأجواء الإقليمية إلي ممر لشن الضربات على إيران، وأبدت الكويت في بياناتها الرسمية حرصاً على استقرار المنطقة والدعوة للحوار.
بينما حملت الزيارة لـ البحرين طابعًا رسميًا مختصرًا، ربما بسبب أزمة الاحتجاجات الشيعية السابقة في البحرين، وتوتر الأجواء بين البلدين بسببها، نقلت التصريحات الإيرانية عن الرغبة في خفض الصعيد، فيما اكتفت المنابر البحرينية بالتركيز على أهمية منع توسع الصراع، ودعوة جميع الأطراف إلى ضبط النفس.
أما الأردن فكانت المحطة المحورية ذات الرسالة الواضحة، حيث أبدت عمان الحرص على إبقاء قنوات الاتصال مع العاصمة الإيرانية مفتوحة لاحتواء أي أزمة محتملة، وأعلن الطرفان عن اتفاقهما بوجوب تفادي الانزلاق نحو أي مواجهة تضر بالمصالح الإقليمية، والوقوف أمام الجرائم الصهيونية.
بينما جاءت الزيارة لتركيا على هامش اجتماع منظمة التعاون الإسلامي، وشدد اللقاء على علاقة ثنائية وتعاون في عدة مجالات بين البلدين، وكذلك أوضاع المنطقة لاسيما ملف سوريا والتنظيمات التى وصفها عراقجي بأنها تتماشى مع أهداف الولايات المتحدة واسرائيل.

أما القاهرة فقد حملت الزيارة رسائل ثنائية الأبعاد، حيث أكد الطرفان ضرورة منع التصعيد والعمل الدبلوماسي من جهة، ومن جهة أخرى، أجريت مباحثات حول التعاون الاقتصادي والسياسي كأسلوب لخفض احتمالات التوتر، مع التزام القاهرة في بياناتها بدور الوساطة.
باشتراك هذه المحطات، رسمت طهران لوحة دبلوماسية مزدوجة  بصورة معلنة تهدف إلى طمأنة الجوار ومنع نقل الصراع إلى أراضيه؛ وخلف الكواليس، تعمل على بناء شبكة تحاش سياسي وأمني تقلل من احتمال حدوث هجوم مفاجئ، النتيجة العملية المعلنة من كل زيارة كانت متشابهة إلى حد كبير دعوات لخفض التصعيد، تأكيد على عدم السماح باستخدام الأجواء أو الأراضي ضد أي طرف، واستعداد لمزيد من التنسيق السياسي، لكنها تختلف في لهجاتها الدبلوماسية بحسب حساسية كل عاصمة وموقعها الاستراتيجي.
خلفيات الجولة  
منذ مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول 2025 صعدت إسرائيل لهجتها تجاه إيران، ملوحة بالرد المباشر بعد هجوم سيبراني نسب إلى طهران. وفي اليوم نفسه تقريباً، ظهر عباس عراقجي في القاهرة، حاملاً رسائل تهدئة ظاهرة، ورسائل ردع في العمق.
وكالة إيرنا الرسمية نقلت عن عراقجي قوله إن النظام الصهيوني أكبر تهديد للسلام والأمن في المنطقة، مؤكدًا أن تحركات طهران تأتي ضمن سياسة دبلوماسية وقائية لمنع الانفجار.
أما وكالة إيسنا الإيرانية، فوصفت الجولة بأنها مبادرة لخلق تفاهمات أمنية إقليمية في مواجهة العدو المشترك.
التغطية الإيرانية تتفق مع تحليل نشره موقع إيران دبلوماسي عقب زيارة عراقجي للسعودية في يوليو/تموز 2025 الذي رأى أن طهران تسعى لتثبيت موقعها كعمود استقرار لا كمصدر تهديد.
طهران لديها رسائلها الخاصة من هذه الجولة، التى تضم دوافع مركبة، أبرزها طمأنة الشركاء الإقليميين، فوفقًا لتقارير موقع نافذة الشرق، زيارة عراقجي إلى القاهرة جاءت بعد أشهر من اتصالات غير معلنة بين طهران ومسؤولين مصريين عبر قنوات أمنية، تهدف بحسب التقرير، كان فتح صفحة سياسية جديدة تضمن عدم انزلاق المنطقة إلى مواجهة مفتوحة.

هذا المسار ينسجم مع ما نشرته في سبتمبر/أيلول 2025 صحيفة كيهان الإيرانية التي قالت إن إيران تدرك أن أمنها الإقليمي يبدأ من طمأنة الجوار العربي، لا من استعراض القوة.
أما الدافع الثاني فهو تجنب المواجهة الشاملة، فتصدر طهران في كل تصريحاتها على أن أي مواجهة مباشرة مع إسرائيل ستشعل حرباً لا يمكن السيطرة عليها، ففي مقابلة مع وكالة إيرنا، قال عراقجي إن أي ضربة إسرائيلية ستكون خطأً استراتيجيًا، وستحوّل المنطقة إلى نار مفتوحة.
هذا الموقف وصفه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية IISS بأنه محاولة ذكية لتخفيف التوتر دون أن تبدو إيران في موقع الضعف، إذ أكد أن طهران تسعى لكسب تأييد إقليمي ضد أي تحرك عسكري إسرائيلي، لكنها في الوقت ذاته تجهز رد شامل.
أما الدافع الثالث للجولة فهو ترسيخ استراتيجية توزان القوى، وتأتي هذه الجولة كخطوة في إعادة رسم التوازنات الإقليمية بعد الهدوء النسبي بين طهران ودول المنطقة فمنذ الحرب الإيرانية الاسرائيلية الأخيرة، تعمل الدبلوماسية الإيرانية على ترسيخ معادلة لا عزلة بعد اليوم، وهو ما ظهر بقوة في لقاء عراقجي بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ويبدو أن عراقجي يسعى لاستثمار هذا التفاهم في بناء شبكة تفاهمات أوسع تشمل مصر وتركيا.
دور الخليج.. وسطاء أم لاعبو ضغط؟
في خضم هذه التحركات، تراقب العواصم الخليجية التطورات بقلقٍ محسوب. فالتصعيد بين إيران وإسرائيل يعني بالضرورة اقتراب الخطر من حدودها، لذلك يدور موقفها بين مواقف معلنة متحفظة ووساطة محسوبة.
المواقف المتحفظة تظهر بوضوح في عمل بعض دول مجلس التعاون الخليجي للعمل على إعادة المفاوضات الأمريكية – الإيرانية حول الملف النووي، لتفادي حدوث مواجهات مسلحة بين الطرفين، وكذلك البيان الصادر عن الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية مجلس التعاون الرافض للحرب على إيران بشكل قاطع.
فيما نقلت سي إن إن عن الخارجية الإيرانية أن دول الجوار رفضت استخدام أجوائها لضرب إيران.
أما الوساطة، فحسب مصادر  في أفتاب نيوز الإيرانية أشارت إلى أن قطر وسلطنة عمان تلعبان أدوارًا خلف الكواليس لتقريب وجهات النظر بين إيران وواشنطن، وكذلك بين طهران وبعض العواصم العربية.
في الوقت نفسه فإن معادلة الحذر المتبادل هي السائدة، لأن دول الخليج تدرك أن علاقتها المتجددة مع الولايات المتحدة وإسرائيل تجعلها في موقع حساس. فهي لا تريد مواجهة مع إيران، لكنها لا تستطيع الانحياز الكامل إليها.
ما بين السطور.. رسائل الردع والدبلوماسية
رغم غياب التصريحات الصريحة عن الجوانب الأمنية في جولة عراقجي، فإن إشارات عديدة ظهرت في الإعلام الإيراني، فقد نقلت تسنيم عن مصادر عسكرية أن إيران أعدت بنك أهداف وخططًا عملية، بينما أكد عراقجي عبر إيرنا أن طهران تفضل الحلول الدبلوماسية وتعمل على خفض التصعيد.

هذه المعطيات تعني أن الدبلوماسية الإيرانية لا تتحرك بمعزل عن المؤسسة العسكرية، بل في تناغم محسوب معها. فبينما يتحدث عراقجي عن التهدئة، ترسل المؤسسة العسكرية إشارات قوة.
الغرب كيف يرى؟
بعيداً عن وسائل الإعلام الإيرانية، فإن صحفاً عربية وغربية كانت لها نظرة متحفظة تجاه الجولة، ففي المونتيور الأمريكي وصفت الجولة بأنها محاولة لتخفيف الضغط الداخلي والخارجي معًا، بينما وصفها تقرير النسخة الإنجليزية من  العربي الجديد بأنها تحرك استباقي لإعادة التموضع في زمن ما بعد التهديد.
ويمكن القول بأن الدبلوماسية الإيرانية تتحرك اليوم في مساحة حساسة بين النار والتهدئة، فجولة عراقجي ليست جولة علاقات عامة، بل فصل من فصول إدارة أزمة مفتوحة بين طهران وتل أبيب، بأدوات إقليمية متعددة، تريد إيران في هذه المعادلة  أن تبدو شريكًا لا خصماً أمام الجوار العربي، لكنها في الوقت نفسه لا تتراجع عن خطابها المقاوم، أما دول المنطقة  فتمارس لعبة الحذر، لا حرب مع إيران، ولا تحالف مطلق معها.
وبينما تواصل إسرائيل تهديداتها العلنية، تتحرك الدبلوماسية الإيرانية بهدوء، كمن يدير اشتباكاً صامتاً على حافة الهاوية.