سوريا الجديدة.. بثوب أموي وسلاح أمريكي

كاتب 5 1/06/2025 - 11:03 AM 85 مشاهدة
# #

يتنقّل الرئيس السوري أحمد الشرع، (الجولاني)، بين المبادئ والبراغماتية، مستحضراً إرث الدولة الأموية لتأسيس مشروع إسلامي جديد في سوريا ما بعد الأسد، مستعيناً بمزيج من التحالفات الإقليمية والتكتيكات السياسية. 


فمن مصافحة علنية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الرياض بتاريخ 14 أيار/مايو، إلى التفاوض مع خصوم الأمس، يتخذ الجولاني خطوات مدروسة تهدف لترسيخ سلطته، حتى لو كلّف ذلك التخلي عن شعارات الجهاد الأممي.
 
إحدى أبرز شروط واشنطن لرفع العقوبات كانت طرد المقاتلين الأجانب من سوريا، وهو مطلب يحمل في طياته تهديداً مباشراً للبنية الداخلية لهيئة تحرير الشام، التي يقودها الشرع.
 
 إلا أن هذا التحدي ليس الأول من نوعه، إذ سبق للجولاني أن أثار جدلاً واسعاً بتحوّله من الخط السلفي الجهادي المرتبط بالقاعدة وداعش، إلى ما بات يُعرف بـ"الجهادية المعتدلة"، في إطار توافق مع الاستخبارات التركية والأمريكية والبريطانية.
 
هذا التحوّل لم يكن مجرّد خطوة تكتيكية، بل إعادة صياغة لهوية الهيئة، لتصبح قوة منضبطة، قادرة على إدارة المناطق الخاضعة لسيطرتها، وتحييد الفصائل المنافسة في إدلب، الأمر الذي أكسبها قبولاً دولياً نسبياً.
 
 نموذج على ذلك، هو تفكيك الجولاني لجماعة "حراس الدين" بالقوة، وهو ما دفع بعض المراقبين الغربيين للقول: "هذا هو الرجل المناسب".
 
وتحت غرفة عمليات "الفتح المبين"، انضوت فصائل عديدة كانت مرتبطة بالقاعدة، إلى جانب مقاتلين أجانب من الإيغور والشيشان والأوزبك والطاجيك والقوقازيين. 
 
غير أن مسألة وجود هؤلاء المقاتلين الأجانب باتت اليوم أزمة حقيقية في ظل ترتيبات النظام الجديد.
 
منذ انشقاقه عن داعش في 2013، ثم إعلان فك ارتباطه بالقاعدة في 2016، حرص الجولاني على تقديم مشروع "وطني" يستهدف فقط نظام الأسد.
 
 وسعى لإقناع المقاتلين الأجانب بالانخراط في هذا المسار، وهو ما جعل بعض المراقبين يرفضون شرط ترامب بطردهم، معتبرين أنهم منذ زمن بعيد لم يعودوا يشكلون تهديداً عالمياً، بل صاروا جزءاً من المعادلة السورية.
 
لكنّ الطرح الأمريكي الأخير يتجاوز الخطوط الحمراء التي وضعتها القوى المتدخلة عقب سقوط إدلب عام 2015، والتي كانت تهدف إلى استيعاب هؤلاء المقاتلين ضمن السياق السوري، وليس ترحيلهم إلى بلدانهم، حيث يواجهون خطر السجن أو الإعدام.
 
ومع سقوط النظام السوري في 8 كانون الأول/ديسمبر، منح الجولاني الجنسية السورية لعدد من القادة الأجانب من دول متعددة، إلى جانب رتب عسكرية رفيعة، في محاولة لقطع الطريق أمام الانشقاقات. 
 
ورغم تحذيرات دمشق، فإن الهيئة التزمت الصمت بشأن هذه التعيينات.
 
بعكس حالات طرد قادة المقاومة الفلسطينية، فإن ترحيل الجهاديين الأجانب يُعد خيانة في الثقافة السلفية الجهادية. 
 
لهذا تبحث الهيئة عن حلول وسط، كتهميشهم من المناصب القيادية، ومنعهم من تنفيذ عمليات خارجية، وتوجيههم للبقاء تحت مظلة النظام الجديد، مع التلويح بترحيل محدود نحو دول ثالثة، وغالبًا ما تكون تركيا الوجهة المفضّلة.
 
لكن البراغماتية لها حدود، فداعش أعادت استقطاب المقاتلين الساخطين، متهمة الجولاني بخيانة الإسلام والتخلي عن الجهاد لصالح مكاسب دنيوية. في هذا السياق، عرضت الهيئة أسلحة استولت عليها من داعش في الغوطة الغربية، في رسالة واضحة للتحالف الدولي: نحن حليفكم الأفضل.
 
غير أن التحدي الحقيقي يكمن في فشل الجولاني حتى الآن في توحيد كافة الفصائل تحت قيادة موحدة.
 
 وعلى الرغم من إعلان وزير الدفاع في الحكومة التابعة للهيئة، مرهف أبو قصرة، نجاح مشروع "الجيش الوطني الجديد"، فإن الواقع لا يعكس تقدماً ملموساً، في ظل انقسامات قائمة على المصالح لا العقيدة.
 
بعض الفصائل مثل أحرار الشام، وجيش الإسلام، وجيش العزة، انضمت فعلاً، لكن دون تبلور قيادة مركزية. 
 
في المقابل، نفت مصادر محلية شائعات عن انضمام الحزب الإسلامي التركستاني إلى الفرقة 84، وهو فصيل يحتفظ بعلاقات وثيقة مع الجولاني، ويُقال إنه جزء من طاقمه الأمني الخاص.
 
من جهة أخرى، لا تزال جماعات متطرفة مثل "سرايا أنصار السنة" ترفض شرعية هيئة تحرير الشام، وتصفها بالمرتدة، مع أنها لم تهاجمها مباشرة بعد. أما جماعة "سيف البحر"، فقد اختفت بعد تنفيذها لعدد من الهجمات الغامضة.
 
الصراعات الجهادية تعمّقت بعد إعلان دستور الهيئة في 13 آذار/مارس، ولقاء الجولاني مع ترامب، ما أدى إلى انشقاقات واسعة داخل المعسكر السلفي. أبو قتادة الفلسطيني حذّر الجولاني من الانحراف عن الشريعة، بينما كفّره أبو محمد المقدسي واتهم أنصاره بالردة، في حين أبدى عبد الله المحيسني دعمه الكامل له، واصفاً إياه بأنه "ظاهرة نادرة" في تاريخ الأمة.

 

وسط هذا التشرذم، تغيب قضايا كبرى مثل الاحتلال الإسرائيلي للجولان عن الأولويات.

 ومع ذلك، أشارت تقارير إلى أن الجولاني يجري مفاوضات أمنية مع إسرائيل، بوساطة تركية وإماراتية، وأن هناك عمليات مشتركة جرت ضد متشددين في حمص، في إطار حملة تطهير داخلية تُعد تمهيداً لمسار تطبيعي.

ختاما، يبدو أن البراغماتية هي الغالبة اليوم على الراديكالية داخل التيارات الجهادية في سوريا، مدفوعة بإغراءات السلطة والثروة، وبوهم استعادة أمجاد الخلافة الأموية.

حقوق الطبع والنشر © Video IQ