العقوبات الأممية تتجدد على طهران.. وإيران تصعّد موقفها... ماذا ينتظر العراق؟

کاتب ١ 28/09/2025 - 11:34 AM 140 مشاهدة
# #

أصبحت إيران أمام واقع دولي جديد يتمثل في العودة التلقائية للعقوبات الأممية، بعد فشل مجلس الأمن الدولي في تبني مشروع قرار يهدف إلى تمديد تعليق هذه العقوبات. هذا الفشل يعني عملياً استئناف سريان جميع قرارات المجلس السابقة المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني.

 

تفعيل "آلية الزناد" والعودة التلقائية
"آلية الزناد" هي جزء أصيل من الاتفاق النووي، وتسمح لأي طرف فيه (بما في ذلك الدول الأوروبية الثلاث: بريطانيا، فرنسا، وألمانيا) بإخطار مجلس الأمن بعدم التزام إيران بتعهداتها. بموجب هذه الآلية، فإن إعادة فرض العقوبات لا تحتاج إلى تصويت أو توافق داخل المجلس؛ يكفي مرور مهلة الثلاثين يوماً دون التوصل إلى قرار جديد لإعادة القرارات الستة الصادرة بين عامي 2006 و 2010 حيز التنفيذ بشكل تلقائي، دون أن يكون لروسيا أو الصين حق النقض (الفيتو).
وتأتي هذه التطورات بعد انسحاب الولايات المتحدة أحادياً من الاتفاق النووي عام 2018 وإعادة فرضها عقوبات قاسية على طهران.
 
الفصل السابع مجدداً
الخطر الأبرز الذي يثيره تفعيل الآلية هو عودة الملف الإيراني مجدداً تحت مظلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهذا الفصل يمنح المجلس صلاحية فرض إجراءات ملزمة، تبدأ بالعقوبات الاقتصادية وقد تصل إلى حد الترخيص باستخدام القوة العسكرية.
ومع توقيع الاتفاق النووي في 2015، تمكنت إيران من الخروج من دائرة الفصل السابع، لكن عودة القرارات السابقة تعيدها عملياً إلى هذا الوضع، مما يثير تداعيات سياسية وقانونية وأمنية عميقة.

 

تفاصيل العقوبات

في حال فشل الجهود الدبلوماسية الأخيرة لتأجيل التفعيل، ستعود حزمة واسعة من القيود الاقتصادية والتجارية، أبرزها:

1 إلزام إيران بوقف جميع أنشطة تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة البلوتونيوم والأبحاث المتعلقة بهما، وهي أنشطة تجاوزت إيران حدودها بعد 2018، حيث وصلت إلى تخصيب بنسبة 60%.
2 حظر بيع أو نقل المواد والتقنيات الحساسة النووية والصاروخية إلى إيران.
3 منع إيران من تصدير الأسلحة، وحظر قيامها بأي نشاط مرتبط بـ الصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية، بالإضافة إلى قيود على تزويدها بأسلحة تقليدية ثقيلة.
4 منح الدول صلاحية تفتيش الشحنات الإيرانية المشتبه بها في الموانئ والمطارات وحتى في أعالي البحار.
5 تجميد أصول شخصيات وكيانات مرتبطة بالبرنامج النووي والصاروخي، وفرض قيود على التحويلات المالية.
بالإضافة إلى العقوبات الأممية التلقائية، يُتوقع أن يتخذ الاتحاد الأوروبي قراراً سياسياً لإعادة فرض عقوباته، التي تشمل حظراً شاملاً على النفط، الغاز، البتروكيميائيات، والتحويلات المالية، ما يضع إيران أمام حصار متعدد المستويات يعيدها عملياً إلى وضع ما قبل عام 2015.

إيران لن تقف مكتوفة الأيدي
أكد الخبير السياسي الإيراني، سعيد شاوردي، أن إيران لن تقف مكتوفة الأيدي أمام السياسات العدائية الأوروبية والأمريكية، مؤكداً استمرار طهران في تطوير برنامجها النووي السلمي "إلى أقصى الحدود".
وقال شاوردي، لوكالة فيديو الإخبارية إن تفعيل الدول الأوروبية الثلاث لـ "آلية الزناد" (Snapback) وما أسماه "العودة المزعومة للعقوبات" يمثل نسفاً لجميع جهود التعاون الأخيرة، بما في ذلك الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في القاهرة.
ووصف شاوردي خطوة الدول الأوروبية بأنها دليل على كذب هذه الدول الثلاث وأمريكا في ادعائهما الرغبة في التوصل إلى حل سياسي ودبلوماسي عبر التفاوض، مشيرا إلى أن إيران أبدت "مرونة شاملة" حتى بعد الحرب التي شُنّت عليها.
تطوير متسارع للبرنامج النووي وسياسة "عدم الإفصاح"
وشدد الخبير الإيراني على أن التطوير النووي الإيراني سيبقى في إطار "الأغراض المدنية والسلمية"، مؤكداً أن طهران لن تتجه نحو عسكرة برنامجها. ولكنه أشار إلى أنه رداً على السياسة العدائية الأوروبية والأمريكية، "من الضروري أن تتبنى (إيران) سياسة لا تعطي أي معلومات حول البرنامج وحول الأنشطة والأماكن التي تنشط فيها الأنشطة النووية".
وتوقع أن تندم الولايات المتحدة وأوروبا على سياستهما خلال فترة وجيزة، إذ ستكون إيران في "حرية كاملة لتطوير برنامجها بوتيرة متسارعة وبشكل كبير"، وستتفاجأ هذه الدول بـ "تطورات لاحقاً". واستدل على ذلك بالتصعيد السابق في مستويات التخصيب (من 3.67% إلى 5% ثم 20% و 60%) بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي.

 

القوة العسكرية الإيرانية والضغوط الدولية
وفي سياق آخر، أكد شاوردي أن القوة العسكرية الإيرانية، بما في ذلك قوة ومدى ودقة الصواريخ، ستتضاعف، محذراً من أن اللجوء مجدداً إلى "الخيار العسكري" لن يُجدي نفعاً، وأن إسرائيل "ستكون أمام جيل جديد من الصواريخ المتطورة غير القابلة للرصد".
كما أشار الخبير الإيراني إلى أن العالم، وخاصة روسيا والصين، يشعر بـ "انزعاج واضح وكبير" بسبب الفوضى التي ترعاها أمريكا في مجلس الأمن واستغلالها للمؤسسات الدولية والضغط على الدول لتتماشى مع سياستها، حتى على عكس مصالحها التجارية الخاصة كما هو الحال مع فرنسا وألمانيا.
وأشار شاوردي إلى أن سياسة "آلية الزناد" لن تدفع إيران أو حلفاءها للتراجع، بل عززت قناعة طهران بأن "الصمود أمام هذه العنجهية الأمريكية هو الحل"، محذرا من أن إيران لديها "أوراق عديدة يمكن أن تستخدمها لإيذاء الدول الأوروبية بشكل كبير ومؤلم" إذا استمرت في سياسة الضغط على المصالح الإيرانية.

إقتصاد متنوع
على صعيد متصل فقد أكد الدكتور رعد هادي جبارة، الباحث في العلاقات الدولية والدبلوماسي الإيراني السابق، أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم ولن تغلق يوماً باب الحوار والمفاوضات، معتبراً إياها الطريق الأمثل للتوصل إلى تفاهمات وحلول ممكنة مع المجتمع الدولي والأطراف الأخرى.
 وشدد جبارة في تصريح خاص لوكالة "فيديو الإخبارية" على أن تجربة عام 2015، حيث تم التوصل إلى اتفاق وتوقيعه مع القوى العالمية الست، تؤكد إمكانية التفاهم.
وأشار إلى أن الموقف الإيراني ثابت وواضح، مكرراً تأكيد المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، السيد علي خامنئي، بأن إيران لا تسعى لإنتاج قنبلة نووية ولا تحتاج لأسلحة دمار شامل، وأن نظريتها الدفاعية لا تقوم على هذا الأساس. بل تهدف إيران إلى الاستفادة من الطاقة النووية السلمية لتطوير مجالاتها المختلفة، وهو حق مكفول للشعب الإيراني لتدوير وتطوير نفسه واستثمار التطور التكنولوجي.
وأضاف الدبلوماسي السابق أن هناك تطابقاً في الرؤية بين الرئيس الإيراني وقائد الثورة الإسلامية حول استعداد الجمهورية الإسلامية للحوار والانفتاح على المفاوضات، مشددا على أن آلية الزناد (Snapback) في الاتفاق النووي غير مجدية، وستضر بالاقتصاد الإيراني والعالمي على حد سواء، مؤكداً أن النفط الإيراني يتدفق إلى الأسواق العالمية (كالهند والصين)، وأن الاقتصاد الإيراني المتنوع ليس قائماً على النفط فحسب.
كما أكد أن إيران مستعدة لتطبيق التفاهمات الأخيرة مع وكالة الطاقة الذرية، وأن هناك اتصالات وتفاهماً متبادلاً مع المبعوث الأمريكي الخاص، مما قد يفسح المجال لجولة جديدة من المحادثات شرط إيقاف تفعيل آلية الزناد.
وذكر الدكتور جبارة الخطوات الاستراتيجية الأربعة التي تعتزم إيران تنفيذها لمواجهة الضغوط، تشمل:
1 تعزيز التعاون الاقتصادي مع مجموعة "بريكس".
2 تطوير التبادل الاقتصادي مع دول الجوار ودول مجلس التعاون الخليجي.
3 توسيع مجالات التعاون مع الاتحاد الروسي في مختلف القطاعات، بما في ذلك بناء محطات نووية جديدة.
4 رفض الإملاءات الغربية والاستمرار في دعم محور المقاومة وسياسة الصمود والتصدي القائمة على الاكتفاء الذاتي واقتصاد المعرفة.
وشدد الدكتور جبارة على أن رسالة إيران واضحة: هي رسالة اطمئنان وانفتاح على حل المشكلات دبلوماسياً.

العراق أمام سيناريوهات خطيرة
حذّر الخبير الاستراتيجي هيثم الهيتي من أن قرار مجلس الأمن الأخير بشأن إيران قد يضع العراق أمام سيناريوهات خطيرة، مشيراً إلى أن ما يحدث حالياً مع طهران يشبه ما جرى مع العراق قبل عام 2003، لكن بآليات مختلفة.
وقال الهيتي لوكالة فيديو الإخبارية إن السيناريوهات المحتملة تنطوي على عدة أبعاد رئيسية:
أولاً: البعد العسكري والأمني
أوضح الهيتي أن إيران، بعد انسحاب واشنطن من قواعدها في وسط وجنوب العراق، قد تحول تركيزها لتهديد المصالح الأمريكية في الشمال، وخاصة في إقليم كردستان. وهذا قد يؤدي إلى نشوء "معركة جوية" بين الطائرات الإسرائيلية من جهة، والطائرات المسيرة التابعة للفصائل المسلحة من جهة أخرى، مما يجعل العراق ساحة للصراع.
وأكد الهيتي أن فشل مجلس الأمن في تبني قرار بشأن إيران قد يفتح الباب أمام ضربات عسكرية إسرائيلية محتملة، والتي قد تستهدف مواقع مرتبطة بالحشد الشعبي أو فصائل أخرى ضمن "محور المقاومة"، مقابل ضربات من قبل هذه الفصائل على مقرات أمريكية في كردستان. هذا السيناريو قد يؤدي إلى صراع داخلي أمني.
ثانياً: البعد السياسي
يرى الهيتي أن التوترات الإقليمية ستؤدي إلى انقسام سياسي شديد داخل العراق، حيث يميل طرف إلى الجانب الإيراني وآخر إلى الجانب الأمريكي، مما قد يؤدي إلى عدم القدرة على إجراء الانتخابات المقبلة ويهدد شرعية العملية السياسية.
ثالثاً: البعد الاقتصادي
حذّر الهيتي من أن أي حصار اقتصادي على إيران سيمتد تأثيره إلى العراق، مما قد يواجه الحكومة صعوبة كبيرة في توفير الرواتب والمستلزمات الضرورية للمواطنين.
ولفت الهيتي إلى أن هذه التطورات قد تدفع إيران إلى اتخاذ خطوات متطرفة، مثل إعلان امتلاكها للقنبلة النووية، وهو ما سيجعلها وفق الأعراف الدولية "دولة نووية" ويصعب على أي طرف استهدافها عسكرياً، مما يزيد من تعقيد المشهد الإقليمي.
وأكد الهيتي أن العراق سيكون أكثر المتضررين من هذا الصراع، وأن الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية ستتأثر بشكل مباشر، مع احتمالية ظهور صراعات داخلية تنعكس على استقرار البلاد.

حقوق الطبع والنشر © Video IQ