كثفت الجمهورية الإسلامية الإيرانية
خلال الـ48 ساعة الماضية مناوراتها الصاروخية في عدة مناطق استراتيجية داخل
البلاد، مترافقة مع عرض لقوتها الصاروخية والدفاعية، فيما يراقب الكيان المحتل هذا
النشاط بقلق بالغ وحذر شديدين.
وتؤكد القيادة الإيرانية أن برنامجها
الدفاعي والصاروخي غير قابل للتفاوض، وأن هدفه الأساسي الدفاع عن النفس والردع ضد
أي هجوم محتمل.
وتأتي هذه التحركات وسط توترات إقليمية
متصاعدة، حيث تراقب الولايات المتحدة والكيان الاسرائيلي عن كثب تطورات القدرات
العسكرية الإيرانية، وتدرس الخيارات الاستراتيجية لمواجهة أي تصعيد محتمل.
طهران تعزز الجاهزية والردع
نفذت إيران مناورات "سهند
2025"، التي شملت إطلاق صواريخ باليستية دقيقة على أهداف بحرية وبرية وجوية،
بالإضافة إلى اختبار أنظمة الدفاع الجوي والطائرات المسيّرة.
وشملت التجارب عدة مدن استراتيجية مثل
خرم آباد، مهاباد، أصفهان، طهران، ومشهد، مع التركيز على اختبار صواريخ بمديات
مختلفة وقدرات عالية الدقة.
وأكد قائد الجيش الإيراني اللواء أمير
حاتمي أن القوات المسلحة جاهزة للتصدي لأي تهديد، وأن الرد سيكون حازما في حال
وقوع أي عمل عدائي، مشددا على أن هذه التجارب تعكس استراتيجيات الدفاع المقدس
وتطوير القدرات العسكرية بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل.
من جهته، قال المتحدث باسم وزارة
الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي إن البرنامج الصاروخي الإيراني "ليس محل
تفاوض"، مؤكدًا أن الصواريخ تهدف إلى الدفاع عن النفس والردع، وأن إيران
مستعدة للتعامل مع أي سيناريو محتمل دون اللجوء إلى التصعيد إلا إذا تعرضت للهجوم.
بدوره صرح المتحدث العسكري الإيراني
أبو الفضل شكارجي الأسبوع الماضي قائلاً: "لم تتوقف خطوط إنتاج صواريخنا
القوية لحظة واحدة"، محذرا "إذا اختبر العدو شعبنا مرة أخرى، فسيتلقى
صفعة أقوى".
كما صرح قائد البحرية الإيرانية، علي
رضا تنكسيري، قائلاً: "لقد حققنا جميع أهداف المناورات، ولأول مرة اختبرنا
صاروخًا يصل مداه إلى ما وراء منطقة الخليج، فضلاً عن اختبار صواريخ باليستية
دقيقة ضد أهداف تحت الماء وفوق سطح الماء وفي الجو".
ولفت الكاتب إلى أنه "في الوقت
نفسه، استضافت إيران هذا الشهر مناورة 'سهند 2025' بالتعاون مع الدول الأعضاء في
منظمة شنغهاي، فضلاً عن إجراء تدريب على الإنذار عبر الهاتف في عدة مناطق من
البلاد، على غرار ما هو موجود في الأراضي المحتلة".
الكيان المحتل والتحضيرات العسكرية
الأمريكية
في المقابل، أعربت تل أبيب عن قلقها من
أن المناورات الإيرانية قد تكون مجرد غطاء لإطلاق هجوم مفاجئ. وأكد مسؤولون
إسرائيليون أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يعتزم عرض خيارات مواجهة التصعيد
الإيراني على الرئيس الأميركي خلال اجتماعهما المرتقب في فلوريدا، تشمل الهجوم
المنفرد أو المشترك مع الولايات المتحدة.
ونقلت وسائل الإعلام عن رئيس أركان
الجيش الإسرائيلي، إيال زامير، أن التنسيق مع القيادة العسكرية الأميركية أصبح
ضرورة تحسبًا لأي تهديد إيراني محتمل، خصوصًا بعد التوترات التي أعقبت الهجوم
المفاجئ لحماس في أكتوبر 2023. وأشار مسؤولون إسرائيليون إلى أن أي سوء تقدير قد
يؤدي إلى اندلاع مواجهة عسكرية غير متوقعة.
تحليلات الخبراء: رسائل القوة والسيطرة
على الردع
يقول خبراء عسكريون إن التجارب
الصاروخية الإيرانية ترسل رسائل واضحة إلى إسرائيل والولايات المتحدة، مفادها أن
المنظومة الصاروخية الإيرانية قائمة وقادرة على العمل من مواقع متعددة، ما يعقد أي
هجوم محتمل ويعزز عنصر المفاجأة.
ويرى محللون أن تطوير إيران لصواريخ باليستية
يشكل تهديدا مباشرا لأمن تل أبيب ويزيد الضغوط على واشنطن للردع، خصوصًا مع
استمرار توسيع ترسانة الصواريخ منذ الحرب الأخيرة في يونيو الماضي. كما أن هذه
التجارب تعكس استراتيجية الردع النفسي والسيطرة على مسار أي مواجهة محتملة عبر
إظهار القدرة على استهداف أهداف بعيدة وغير متوقعة.
السياق الإقليمي والدولي
حول الموضوع، كشف الكاتب العبري إيتمار
إيخنر، في مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، أن مناورات
"سهند 2025" التي أجرتها إيران مؤخرا أوصلت رسالتها مباشرة إلى مكتب
نتنياهو.
وذكر الكاتب في تقريره، أن
"التقارير الأخيرة تفيد بأن طهران تنتج صواريخ باليستية بوتيرة سريعة وبكميات
كبيرة، كما عادت إلى تهديد الكيان واستعراض قدراتها العسكرية، كما كان الحال قبل
الحرب".
وأضاف أنه "وفقا لتقرير
استخباراتي وضع مؤخرا على مكتب بنيامين نتنياهو، أعادت إيران تأهيل جزء كبير من
قدراتها منذ الهجوم المشترك الصهيوني-الأمريكي، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم
وتوسيع ترسانة الصواريخ".
وبحسب إيخنر، يرى المسؤولون في الكيان
أنه "لا مفر من ضربة استباقية شاملة لتدمير البنى التحتية النووية التي تم
ترميمها، وقواعد الصواريخ، لمنع هجوم قريب سيكون أصعب".
ولفت إلى أنه "في طهران، يتعهد
كبار المسؤولين بأنهم مستعدون لجولة أخرى من المواجهة مع الكيان".
الرسائل السياسية والعسكرية
تعكس المناورات الصاروخية الإيرانية
اهتمام القيادة بإرسال إشارات قوية حول القدرة على الرد من مواقع غير متوقعة، بما
يعزز الردع النفسي ويمثل تحديًا لإسرائيل وأميركا.
في المقابل، تعمل تل أبيب على إعداد
ملف استخباراتي شامل حول البرنامج النووي والصاروخي الإيراني لتعزيز التنسيق مع
الولايات المتحدة، ومراقبة خطوط إنتاج الصواريخ الباليستية، ورفع جاهزية الدفاعات
الجوية لضمان القدرة على الردع أو شن ضربة استباقية إذا اقتضت الضرورة.
احتمالية المواجهة المستقبلية
ويرى خبراء أن احتمالية مواجهة مباشرة
بين إيران والكيان المحتل قائمة رغم انخفاضها النسبي حاليا، مع حرص الطرفين على
تعزيز قدراتهما الدفاعية والاستراتيجية استعدادا لأي سيناريو محتمل.
ويعد عنصر السرية في المناورات
الإيرانية جزءا من استراتيجية الردع النفسي وإرباك خصومها، عبر خلق شكوك حول مواقع
الصواريخ ونطاقها الفعلي.